هذا يذكرنا بالقيم الخمس الأساسية التي جاء الاسلام لحفظهاألا وهي : النفس والعقل والدين والمال والعرض. فهذه القيم فطر الانسان عليها منذ أن خلقه الله فلو تعرضت حياته للخطر فسيضحي بكل شئ في سبيل انقاذها. فلو أن انسانا طلب منه أن يقفز من على جدار يرتفع مترا لما وجد صعوبة في ذلك ولما تردد، فإذا رفعنا الجدار إلى مترين فربما تردد قليلا قبل أن يقفز، وكلما ازداد ارتفاع الجدار ازدادت الممانعة حفاظا على حياته وسلامته، فلو أن ارتفاع الجدار 10 أمتار وخشي على حياته فإنه سيرفض القفز ولكن لو علم أن أسدا على هذا الارتفاع سيهاجمه ليأكله ويقضي على حياته فإنه سيخاطر بالقفز أملا في النجاة بحياته التي يعطيها قيمة عالية رغم أن سلامته ستتعرض للخطر فلربما يصاب بكسور نتيجة للقفز ولكنه على الأقل سيحافظ على حياته.
الهوية
الهوية تمثل نظرة الانسان لنفسه وآرائه واعتقاداته فيها. أُفرِدت في مستوى مستقل لما لها من أهمية كبيرة في حياة الانسان ، وجعلت فوق مستوى القيم والاعتقادات لأنها هي التي تشكل وتولد وتنمي القيم والاعتقادات حول الآخرين والأشياء (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) الرعد 11. فالتغيير من الداخل هو التغيير الأكثر رسوخا وتأثيرا على الإطلاق.
فإذا امتلك الانسان قيما سامية وكان لديه اعتقادات راسخة إيجابية حول ذاته وهويته فإنه قادر بإذن الله على تغيير ما حوله.
القيم الروحية
تشكل الروح جزءا هاما من كيان الانسان. قال تعالى : ( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) الحجر 29، ص 72 . إنها مناط التكريم كما أن العقل مناط التكليف. فالكيان البشري يتكون من مزيج إلهي من الطين والروح. وليس له صلاح ونماء إلا بالعناية بتغذية الجانبين معا. فإذا أعطينا الاهتمام الأكبر للجانب المادي ( الجسد ) وأغفلنا الروح نكون قد ضخمنا جسدا خاويا ضعيف الأرادة ضعيف الدوافع فمنبع الدوافع من الروح. فالاهتمام بالروح وتغذيتها وتنميتها ينمي القيم التي تولد الدوافع القوية المحفزة.
تمثل القيم الروحية قمة هرم المستويات المنطقية العصبية، وهي تمثل أقوى الدوافع المؤثرة في حياة الانسان على مر التاريخ. ويمكننا الاسترسال في الحديث ساعات وساعات وذكر الحوادث والشواهد التي تبين أثر القيم الروحية في حياة الانسان. فجميع الرسالات السماوية كانت تبني علاقتها بأتباعها على أساس القيم الروحية وكانت نتيجة ذلك أتباع يضحون بأرواحهم وأموالهم وأولادهم في سبيلها. وكثير من المذاهب الفكرية والفلسفية التي يستميت أصحابها في الدفاع عنها تقوم على قيم روحية.
عندما يحدث التغيير في المستويات الدنيا لهرم المستويات المنطقية العصبية، يحدث تغير ملحوظ على حياة الانسان. ولكن التغيير الأكثر دراماتيكية والذي لا يمكن أن تخطئه العين هو التغيير على مستوى قمة الهرم ، القيم الروحية.
عندما آمن صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالرسالة الاسلامية ، وهذا تغيير في القيم الروحية ، سَهُل عليهم تغيير هوياتهم الشخصية وقيمهم ومعتقداتهم الحياتية وقدراتهم وسلوكهم وحتى بيئتهم. فعندما جاءهم تحريم الخمر التي كان يراها بعضهم جزءا من هويته الشخصية أراقوها في شوارع المدينة، وبعد أن كان أحدهم يرى نفسه جبارا قويا قاسي القلب في الجاهلية ، عمر رضي الله عنه ، أصبح غاية في تفقد أحوال المسلمين بعد أن آمن. وهكذا أمثلة كثيرة جدا كلها تدل على أن التغيير على مستوى القيم الروحية هو أقوى الدوافع التي يمكن أن يحملها إنسان.
والقيم الروحية التي نقصدها هنا هي الإيمان بالله تعالى وبجميع الأمور الغيبية التي يشتمل عليها دين الإسلام كمصدر للقيم الروحية. فيدخل فيها رضا الله تعالى والجنة والنار والقيامة والحساب والملائكة والكتب والرسل. فالايمان بهذه القيم بمفهومها الصحيح يعطي لحياة الانسان أبعادا واسعة جدا تدفعه للعمل لبناء آخرته ودنياه.